في أعقاب الإعلان عن الخفض الطوعي الإضافي في إنتاج «أوپيك +»، ارتفعت أسعار النفط بقوة، لكنها ظلت أقل بكثير من مستوياتها المرتفعة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022.
وبلغ الخام القياسي العالمي «برنت» ذروته عند 139 دولارا في مارس 2022، وبلغ متوسطه 100 دولار للعام الماضي، لكن على النقيض، تداول المعيار الدولي حول 85 دولارا فقط.
ومع ذلك، فمن المحتمل أن يكون لخفض إنتاج «أوپيك +» المفاجئ تأثير هائل على سوق النفط، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار لأشهر وربما حتى سنوات قادمة.
ومن المتوقع ان يؤثر القرار على الديناميكيات لاسيما ان قرار المنتجين خفض الإنتاج بنحو 1.66 مليون برميل يوميا حتى نهاية العام، قد يكون له في الواقع تأثير طويل المدى على ديناميكيات أسعار النفط أكبر من تأثير الغزو الروسي، ويبدو أنه من المرجح أن ينعش بعض الاهتمام مخزونات النفط، وأحد الأسباب الرئيسية لذلك هو أن خفض الإنتاج يأتي في الوقت الذي يبدو فيه الطلب على وشك الارتفاع، ما يمهد الطريق لنقص العرض في المستقبل، ولا شك أن الحرب الروسية في أوكرانية لها تأثير هائل على الجغرافيا السياسية، لكنه كان قصير الأمد على الأسعار، التي توقع بعض المحللين وصولها بعد الغزو إلى 200 دولار، لكنها سرعان ما انخفضت عن ذروة مارس 2022.
وبالمقارنة، لم تؤد الخطوة الأخيرة لـ«أوپيك» إلى توقعات قصيرة الأجل بارتفاع الأسعار قرب مستوى 200 دولار للبرميل، لكنها مهدت الطريق لارتفاع الأسعار لبعض الوقت.
يرى «جون فريمان» المحلل في «ريموند جيمس» لإدارة الأصول، أن النفط سيرتفع إلى 105 دولارات للبرميل بحلول الربع الرابع، فيما رفع «جولدمان ساكس» توقعاته إلى 95 دولارا من 90 دولارا بحلول ديسمبر المقبل.
مردود طويل الأمد
وفي المقابل، يرى «بنك أوف أميركا» أن تحرك «أوپيك +» يعد علامة قوية على أن المنتجين يريدون تحديد «أرضية ثابتة للأسعار» عند 80 دولارا، أي أعلى من المستوى السابق البالغ 60 دولارا الذي بدا أنهم مستعدون للدفاع عنه، وإذا بنى المستثمرون توقعاتهم اعتمادا على 80 دولارا للبرميل، فقد ترتفع أسهم شركات النفط بنسبة 30% في المتوسط، بحسب «بنك أوف أميركا»، الذي يعتقد أن أسهم الشركات تنخفض مع الاقتراب من سعر 66 دولارا للبرميل.
ومن المؤكد أن الأسعار عندما تجاوزت 100 دولار في العام الماضي، كانت أكثر ربحية لشركات النفط مقارنة بالمستويات الحالية عند نحو 85 دولارا، لكن المستويات الحالية تبدو أكثر استدامة، وتميل شركات النفط إلى تفضيل الأسعار القوية والمستقرة نسبيا بدلا من التقلبات الحادة، حتى لو أدت الارتفاعات المفاجئة إلى وصول الأسعار إلى مستويات عالية غير مسبوقة منذ سنوات.
وتجعل الأسعار المستقرة التخطيط أسهل وتجذب المستثمرين الذين يحبون الأسهم الموزعة للأرباح بشكل ثابت، حيث لا يأبهون في مثل هذه الأوقات لما إذا كانوا يشترون الأسهم عند ذروة قيمتها.
تحول الأساسيات
وعند دراسة تحول الأساسيات نجد ان الغزو الروسي تسبب في زعزعة استقرار أسواق النفط وأدى إلى فرض عقوبات على صادرات موسكو، لكن الصورة الأساسية للعرض والطلب لم تتغير كثيرا، وتمكنت روسيا من إعادة توجيه النفط، ما أدى إلى ارتفاع الإمدادات العالمية الإجمالية.
وخفضت القيود الوبائية الصينية في عام 2022 الطلب العالمي على النفط بشكل كبير، وبحلول نهاية العام كانت مخازن النفط ممتلئة بالإمدادات الفائضة، وتجاوز العرض الطلب بمقدار 500 ألف برميل يوميا بحلول الربع الرابع، حسب تقديرات «فريمان»، لكن في هذا العام، من المتوقع أن يرتفع الطلب مع إعادة فتح الاقتصاد الصيني، حيث يرى «فريمان» أن الطلب سيقفز بمقدار 3 ملايين برميل يوميا من الربع الأول إلى الربع الرابع، مما يحول التخمة إلى نقص في المعروض.
وبحلول الربع الرابع، من الممكن أن يعاني السوق نقصا بمقدار مليوني برميل يوميا، وسيحتاج المستهلكون إلى كل النفط الخام الذي تراكم في صهاريج التخزين العام الماضي، وسيتعين عليهم دفع المزيد مقابل ذلك.