قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، أن قيمة إصدارات أدوات الدين في دول الخليج تراجعت إلى 8 مليارات دولار خلال الربع الثاني من 2022، مقابل نحو 11 مليار دولار في الربع السابق، وذلك بإجمالي إصدارات لدول التعاون بلغت 19 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الحالي، والتي معظمها من السندات والصكوك السيادية السعودية والإماراتية بعد تسجيلها مستويات قياسية في عام 2021 (105 مليار دولار).
وأوضح التقرير أن الأداء المتواضع لإصدارات أدوات الدين الخليجية الذي شهدناه في النصف الأول قد يستمر خلال الفترة المتبقية من العام مع انخفاض الاحتياجات التمويلية (بفضل ارتفاع أسعار النفط) وارتفاع تكاليف الاقتراض.
وعلى الصعيد العالمي، فقد أدى تجدد المخاوف المتعلقة بسياسات التشديد النقدي التي اتبعهتا البنوك المركزية لكبح جماح التضخم إلى ارتفاع عائدات السندات العالمية مرة أخرى بمنتصف أغسطس، لتعكس التراجع الذي شهدته بصفة عامة في يوليو ومطلع أغسطس نتيجة تأثرها بالمؤشرات الدالة على انخفاض معدلات التضخم في الولايات المتحدة، وضعف البيانات الاقتصادية، والتي دفعت لخفض توقعات رفع أسعار الفائدة.
واتبعت عائدات السندات الخليجية اتجاها مماثلا، إذ ارتفعت مرة أخرى بمنتصف أغسطس بعد أن تراجعت في وقت سابق بدعم من أسعار النفط التي مازالت تحافظ على ارتفاعها وتحسن آفاق نمو الاقتصاد العالمي.
وقد تواصل عائدات السندات مسارها الصعودي إذا بقي التضخم مرتفعا وواصل الاحتياطي الفيدرالي نهجه المتشدد.
من جهة أخرى، قد يكون النمو المتوقع لعائدات السندات محدودا إذا شهد التضخم تراجعا جوهريا أو إذا تراجع النمو الاقتصادي بوتيرة أكبر من المتوقع، مما قد يبرر تبني الاحتياطي الفيدرالي لموقف أقل تشددا.
تشديد الفيدرالي لسياسته
قد يعزى تذبذب أسواق السندات الذي شهدناه حتى الآن في الربع الثالث من عام 2022 إلى تحول مسار التضخم والنمو الاقتصادي وتوقعات رفع أسعار الفائدة.
وساهمت المؤشرات الدالة على أن التضخم قد بلغ ذروته، مع تباطؤ وتيرة ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين الأميركي خلال شهر يوليو في تعزيز إمكانية تحول الاحتياطي الفيدرالي نحو تبني سياسات أقل تشددا، خاصة بالأخذ في الاعتبار الركود لربعين متتاليين والضعف المستمر لبعض البيانات الاقتصادية.
وساهمت تلك العوامل في تعزيز الطلب على أدوات الدخل الثابت ودفعت بعائدات السندات للهبوط من مستويات الذروة المسجلة في يونيو (نحو 3.5% للسندات الأميركية لآجل 10 سنوات). إلا انه بمنتصف أغسطس، عكست العائدات جزئيا تلك التراجعات الحادة في يوليو/ مطلع أغسطس نتيجة للتصريحات المتشددة التي اصدرها الاحتياطي الفيدرالي.
وكان التأثير الصافي لتلك التقلبات بعض التغييرات المتواضعة التي شهدتها عائدات السندات على أساس ربع سنوي.
واقتصر تراجع السندات الألمانية واليابانية في الربع الثالث من العام على 7.4 نقاط أساس و0.6 نقطة أساس على التوالي، على الرغم من أن التغييرات التي شهدتها خلال تلك الفترة كانت أكبر بكثير، وذلك بمقارنة مستويات الذروة والقاع.
كما حافظت اليابان على التزامها بسياسة العائد الصفري، وحافظت على سنداتها من التراجع مما عزز معنويات المستثمرين والطلب على سندات الحكومة اليابانية.
في المقابل، ارتفعت عائدات سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات بمقدار 6.1 نقاط أساس إلى 3.04%، بعد تراجعها إلى أقل من 2.6% في مطلع أغسطس. في حين شهدت سندات المملكة المتحدة أعلى معدل نمو في ظل ارتفاع التضخم (10.1%) في شهر يوليو، والنتائج المترتبة على ارتفاع أسعار الفائدة.
وستستمر آفاق النمو الاقتصادي وسياسات مجلس الاحتياطي الفيدرالي وتوقعات التضخم في تحديد ديناميكيات سوق السندات.
ومن الممكن أن يشهد عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات مزيد من الارتفاع في حالة رفع أسعار الفائدة وزيادة معدلات التضخم وتحسن البيانات الاقتصادية.
من جهة أخرى، قد تشهد عائدات السندات نموا محدودا في حالة استمرار تباطؤ معدلات التضخم وبالتالي تبني الاحتياطي الفيدرالي لسياسات أقل تشددا.
ومن المقرر أن يساهم ارتفاع عائدات السندات وانخفاض عائدات الأصول ذات المخاطر العالية في تعزيز الطلب على السندات، مما قد يؤدي إلى الحد من تسجيل العائدات لنمو كبير، حتى لو بقي التضخم مرتفعا للغاية. وقد يؤدي احتمال ضعف النمو الاقتصادي إلى تعزيز الطلب على السندات كملاذ آمن.
تراجع عائدات السندات الخليجية
تراجعت عائدات السندات السيادية الخليجية متوسطة الأجل منذ شهر يونيو بالتزامن مع التراجع الذي شهدته أسواق السندات العالمية واعتدال توقعات رفع أسعار الفائدة في المنطقة، والتي عادة ما تتبع سياسة الاحتياطي الفيدرالي.
وكان هناك عدد من العوامل الإضافية التي ساهمت في ذلك، من ضمنها ارتفاع أسعار النفط، وتحسن الآفاق الاقتصادية، وما يتبعها من انخفاض المخاطر.
وكان تراجع عائدات السندات من بداية بالربع الثالث حتى الآن بصدارة كلا من البحرين وعمان (التي ما تزال عائداتها أعلى نسبيا)، بتسجيلهما لتراجع بمقدار تخطى أكثر من 50 نقطة أساس لكل منهما بعد الزيادة الحادة التي تم تسجيلها في الربع الثاني من العام.
وقامت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني مؤخرا برفع تصنيف عمان إلى BB (مع نظرة مستقرة) من BB-.
وأوضحت فيتش أن رفع التصنيف يعكس تحسينات كبرى في المؤشرات المالية العمانية، كما يعكس تخفيف ضغوط التمويل الخارجي والجهود المستمرة لإصلاح المالية العامة.
من جهة أخرى، تراجعت عائدات سندات أبوظبي وقطر والسعودية بوتيرة معتدلة تراوحت ما بين 15 و30 نقطة أساس على أساس ربع سنوي، في حين شهدت عائدات السندات القطرية، التي تعتبر من ادنى العائدات على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، أقل معدل تراجع (-7.1 نقاط أساس) نظرا لعدم اصدار سندات جديدة وبفضل انخفاض المخاطر السيادية.
وفي ذات الوقت، انخفضت معدلات مبادلة مخاطر الائتمان للسندات الخليجية خلال الأسابيع الأخيرة فيما يعكس انخفاض المخاطر المرتبطة بتحسن البيئة التشغيلية.